تقرير صفحة دار الحديث حول تظاهرة الكرسي العلمي مالك بن نبي للدراسات الحضارية في تلمسان

شهدت دار الحديث بتلمسان يوم السبت 08 جمادى الآخرة / 29 نوفمبر 2025 فعاليات نشاط ثقافي فكري علمي، بالتنسيق بين جمعية دار الحديث للتربية والثقافة والعلم والكرسي العلمي مالك بن نبي للدراسات الحضارية التابع لمؤسسة آفاق.
افتُتح اللقاء بتلاوة قرآنية ونشيد، تلاهما تقديم عام لفكرة مالك بن نبي ومنهجه في دراسة الحضارة. وفي الكلمات الافتتاحية قدّم الدكتور السعيد مولاي تصورًا عامًا لأهداف الجولة، مبرزًا أهمية ربط الجهود العلمية المعاصرة بمشروع مالك بن نبي، كما شارك رسالة الأستاذ عمر مسقاوي للمشاركين في الندوة مُثمّنا فيها الجهود التي يقوم بها الكرسي العلمي.
وقد أشرف على تنشيط الجلسة الأستاذ عبد الحفيظ بورديم، الذي قدّم إدارة محكمة للنقاشات وأضفى بعدًا تفاعليًا على الجلسة، بداية بتقديم الأساتذة المشاركين في الجلسات العلمية.
وفي الندوة الأولى، ألقى الأستاذ عمار طالبي مداخلة حول مركزية الدين في فكر مالك بن نبي، مبرزًا أن الجذوة الروحية هي أساس أي حضارة، وهي النفسية العميقة التي تمنح الإنسان الاتجاه والمعنى. وأوضح أن الفكرة المركزية قد تكون إلهية أو غير إلهية، لكن الجذوة الإلهية وحدها هي التي لا تنطفئ، مستشهدًا بأمثلة من التاريخ مثل إيمان المصريين القدماء بالبعث، ثم نزول الوحي الذي جدّد الإنسان ووجهه نحو الطريق الصحيح.
وفي كلمة الدكتور حمزة بن عيسى تم التطرق إلى أزمة الاستهلاك الحداثي في الغرب، وكيف أدّى إدخال “الروح الحداثية” إلى حالة من العبث الوجودي، مما يجعل إحياء الهوية الروحية ضرورة حضارية.
أما الشيخ بن يونس آيت سالم فقد ركّز على التجربة الإصلاحية للشيخين ابن باديس والبشير الإبراهيمي، مبينًا أن مشروعهما النهضوي انطلق من إصلاح فكر الإنسان، وأن تحرير الإنسان يسبق تحرير الأوطان، مع إبراز التقاطع العميق بين مشروعهما ومشروع مالك بن نبي، خصوصًا في مركزية الإنسان كأداة بناء حضاري، إضافة إلى حديثه عن علاقة مالك بالقرآن وقراءاته الخاصة للنصوص وعنايته بالفكر الديني والظاهرة القرآنية.
وقدم الدكتور شايف عكاشة رؤية حول أهمية عنصر الزمن في الحضارة، ومفهوم الاستعمار عند مالك بن نبي الذي قرأه ضمن الإطار الحضاري لا السياسي فقط، مؤكدًا أن الاستعمار يخلّف أفكارًا قاتلة تستمر بعد خروجه، وأنه لا يمكن بناء حضارة إسلامية دون العودة إلى الفكرة الدينية. كما أبرز تميّز منهج مالك بن نبي الذي يستعمل منهجًا رياضيًا ويتفوّق – في بعض الجوانب – على تحليل ابن خلدون.
وتواصلت الجلسات بعرض الأستاذ ماحي ثابت حول مشروع الكرسي العلمي وفكرة التكوين الحضاري. وقد أكد أن فكر مالك بن نبي لم يُدمج بعد في قطاع التعليم رغم أهميته في بناء الإنسان والثقافة والحضارة. وطرح تحديات ترسيخ فكر مالك، مثل حفظ التراث الفكري، والاستجابة للأزمة الفكرية، واعتبار تكوين الإنسان محركًا للحضارة. ثم تناول أبعاد التكوين الحضاري في فكر مالك بن نبي، بدءًا من فهم الحضارة وفق معادلة الزمن والأرض والإنسان، وتشخيص الوضع التاريخي منذ ما بعد الموحدين، مرورًا بالتجدد الداخلي الذي يقوم على التكوين الأخلاقي وضبط النفس وروح العمل وأولوية القيم على الشعارات، وصولًا إلى التكوين العملي الذي يقوم على الانتقال من الفكرة إلى الأداة ومن القول إلى الفعل عبر ورشات الإبداع والمشاريع الاجتماعية والعادات الإنتاجية. كما تم عرض الفئات المستهدفة من برامج التكوين، والنتائج المتوقعة التي تشمل التحول الفردي والاجتماعي والتقدم الحضاري.
كما شهد اللقاء تقديم منتدى شباب الكرسي العلمي، الذي يهدف إلى الانتقال من القابلية للاستعمار إلى القابلية للرشد، وإبراز دور المرأة في المشروع الحضاري وفق رؤية مالك بن نبي الذي اعتبرها “المرأة الإنسان”، مع التأكيد على أن الحضارة تُبنى بأيدي النساء والرجال معًا.
وفي الندوة الحوارية الثانية حول البحث العلمي في فكر مالك بن نبي، طرح الدكتور شراد مجموعة من الأسئلة العميقة حول تعاطي العالم الإسلامي مع “عقدة الاختبار”، وسبب التعامل مع فكر مالك بن نبي على أنه ثابت رغم حديثه عن التغيرات السوسيولوجية، مؤكدًا ضرورة الانتقال من التنظير إلى التطبيق، والإعلان عن تأسيس مخبر متعدد التخصصات لتفعيل أفكار مالك بن نبي ونماذجه. كما تساءل عن الحاجة إلى وضع “معامل للتحول الحضاري” بدل السير خبط عشواء.
وفي مداخلة الأستاذ عمارة تم تناول مفهوم الفكرة الدينية من خلال “الوعد الكبير” و“الوعد الصغير”، موضحًا أن الوعد الكبير يشمل الآفاق الأخروية أو التنمية في النماذج المادية، بينما يتعلق الوعد الصغير ببناء مجتمع مزدهر، وأن الفكرة الدينية تُنتج وظائف الاندماج والتوتر المحفّز والتوجيه.
وتلت ذلك مداخلات أخرى، منها مداخلة الدكتور مصطفى قناو حول تجربته البحثية، ومداخلة الأستاذ صادق سلام عن بعد، قبل أن تُختتم الندوة بكلمة الأستاذ عمار طالبي.



