“الكرسي العلمي مالك بن نبي: خطوة استراتيجية نحو بناء مركز تفكير جزائري رائد (Think Tank)”

أ. د عبد الفتاح داودي جامعة المسيلة
في هذه الأيام العلمية المميزة، يشهد الكرسي العلمي “مالك بن نبي” محطة مفصلية تُسجَّل باعتزاز في مساره البحثي والتنظيمي، مع الإعلان عن التوسعة الأولى للمجلس العلمي وإطلاق مخبر الكرسي العلمي المتعدد التخصصات. إنّها خطوة ترتقي بالكرسي من مبادرة علمية واعدة إلى بنية معرفية راسخة، قادرة على إنتاج الفكر وتوجيه الرؤية والمساهمة الفعلية في قراءة واقعنا الحضاري وصناعته.
لقد جاءت هذه التوسعة لتعزّز قدرة المجلس العلمي على الإشراف والتوجيه، من خلال ضمّ رؤساء الفرق البحثية والمكلّفين بالتكوين والتنسيق الدولي، بما يجعل المجلس فضاءً تعاونياً غنياً، يجمع النخب العلمية المتخصّصة في مختلف الحقول؛ الاجتماعية والاقتصادية والحضارية والنفسية والتربوية والترجمية والتأصيلية. ومع رئاسة الدكتور عمّار طالبي، وعضوية نخبة علمية مرموقة، تتشكل اليوم نواة صلبة تدعم رؤية الكرسي ورسالة المفكر الكبير مالك بن نبي في بناء الإنسان وصياغة الفكرة وتحرير الفعل الحضاري.
إنّ إنشاء مخبر الكرسي العلمي المتعدد التخصصات ليس مجرد توسعة تنظيمية، بل هو إعلان دخول الكرسي في مرحلة جديدة من الاحترافية العلمية؛ مرحلة المشاريع البحثية الرصينة، والشراكات الفكرية العابرة للتخصصات، وإنتاج المعرفة التي تستجيب لاحتياجات المجتمع والدولة. وهو لبنة أولى يمكن، إذا أُحسن الاستثمار فيها، أن تتحوّل مستقبلاً إلى بيت خبرة جزائري رائد، وإلى مركز تفكير (Think Tank) يُعنى بصياغة السياسات وتقديم البدائل واقتراح الرؤى الاستشرافية، ويُسهم في تعزيز القرارات الرشيدة وتنمية رأس المال الفكري الوطني.
إننا نثمّن عالياً الثقة الكبيرة التي وضعها القائمون على الكرسي في هذه المجموعة من الأستاذة والباحثين بتكليفهم بمهام رئاسة الفرق البحثية والإشراف العلمي، وهي ثقة تعكس تقديراً لكفاءتهم وإيماناً بقدرتهم على الارتقاء بأعمال الكرسي. وإنّنا على يقين بأنّهم سيكونون عند حسن الظن، وفي مستوى المسؤولية العلمية الكبيرة الملقاة على عاتقهم، وسيقدّمون الإضافة النوعية التي تلامس تطلعات المؤسسين، وتُجسّد رسالة مالك بن نبي في صناعة الوعي وبناء الفكرة الحضارية الفاعلة.
كما نأمل أن يشكّل هذا المخبر منصة لاستقطاب الكفاءات الجزائرية، داخل الوطن وخارجه، وتعزيز حضورها في مشاريع بحثية وتكوينية مشتركة، تفتح للكرسي آفاقاً واسعة في البيئة العلمية الدولية، وتعيد للبحث الجزائري مكانته الطبيعية بين مراكز الفكر في العالم.
إنّ ما تحقق اليوم ليس نهاية الطريق، بل هو بداية مرحلة جديدة تُبنى على التعاون، والرؤية، والجدية، والمسؤولية. وبإذن الله-وبهمة أعضاء المجلس العلمي وبدعم شركائه- سيكون الكرسي العلمي “مالك بن نبي” نموذجاً مضيئاً للمؤسسات التي تُحوّل الفكرة إلى مشروع، والمشروع إلى أثر، والأثر إلى مستقبل.
وفق الله الجميع وسدّد خطاهم، وجعل هذا العمل لبنة في بناء نهضة فكرية جزائرية أصيلة وفاعلة.
هذه كلمة بمناسبة توسعة الكرسي العلمي وتأسيس المخبر العلمي :



