مقالات

في الحاجة إلى مشروع علمي وطني لتراجم علماء الجزائر قراءة في سؤال الدكتور مسعود فلوسي بعد اثني عشر عامًا

تمثّل سير العلماء والمفكرين أحد المكوّنات الأساسية في بناء الذاكرة العلمية لأي مجتمع، كما تُعدّ التراجم أداة معرفية ضرورية لفهم تطوّر الحقول الفكرية، ومسارات التأثير، وشروط إنتاج المعرفة. وفي هذا الإطار، نبّه الدكتور مسعود فلوسي سنة 2013 إلى غياب موسوعة علمية وطنية تُعنى بتراجم علماء الجزائر، رغم وفرة الأسماء وتنوّع الحقول العلمية التي برز فيها الجزائريون عبر التاريخ.

وأشار فلوسي إلى أنّ ما هو متوفر اليوم لا يعدو أن يكون محاولات فردية أو أعمالًا متفرقة، مقابل مشاريع موسوعية متكاملة لدى دول مجاورة؛ مثل موسوعة علماء المغرب لمحمد حجي، وتراجم المؤلفين التونسيين لمحمد محفوظ، والجواهر الإكليلية في تراجم علماء ليبيا. كما بيّن أنّ البلدان العربية الأخرى — مصر، السعودية، سوريا — تمتلك تقاليد راسخة في التأليف حول أعلامها، أحياءً وأمواتًا.

غير أنّ الساحة الجزائرية، كما يلاحظ الدكتور فلوسي ، ما تزال تفتقر إلى مشروع موسوعي جامع يوفّر مرجعا موثوقا للباحثين والمهتمين بتاريخ الفكر الجزائري. ويعدّ هذا الغياب مؤشرًا معرفيًا وثقافيًا خطيرًا، إذ يُسهم في ترسيخ فكرة مغلوطة مفادها أنّ الجزائر لم تُنجب علماء أو مؤلفين ذوي أثر، وهو ما يؤثر سلبًا في الوعي التاريخي للمجتمع، ويُضعف صلته بتراثه العلمي.

بعد مرور اثني عشر عاما على مقال الدكتور فلوسي، يظلّ السؤال قائمًا بل يزداد إلحاحا:

لماذا لم يتبلور بعدُ مشروع موسوعي وطني يستجمع تراجم علماء الجزائر ويقدّمها في صيغة علمية تستجيب لمعايير البحث الأكاديمي الحديث؟

إنّ إطلاق مثل هذا المشروع ليس ترفًا معرفيًا، بل ضرورة علمية وثقافية تستحق أن تُدرج ضمن الأولويات البحثية للمؤسسات الجامعية ومراكز الدراسات، حفاظًا على الذاكرة العلمية للجزائر وإعادة الاعتبار لإسهامات علمائها عبر العصور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى