الدراسات حول مالك بن نبي: حجم التراث والحاجة إلى النقد المقارن

لقد جمع الدكتور مولود عويمر في كتابه «مالك بن نبي في الكتابات المعاصرة 1947–2024» حصيلة واسعة من الدراسات والأبحاث والملتقيات التي تناولت فكر مالك بن نبي، مقدّما معطيات دقيقة توضح حجم الاهتمام الأكاديمي والعلمي الذي حظي به هذا المفكر في العالمين العربي والغربي.
فقد شهد تراث ابن نبي نشر وثائق مجهولة ونادرة، وانتظر الباحثون طويلاً صدور الجزء الثالث من مذكراته ويومياته. كما توالت الملتقيات الدولية حوله منذ المؤتمر الأول في ماليزيا عام 1991، مرورًا بالندوات التي أقيمت في الجزائر وسوريا والمغرب وفرنسا، وصولا إلى الذكرى الثلاثين لوفاته سنة 2003، التي لم تمرّ دون تنظيم ملتقيات عديدة، من أشهرها الملتقى الدولي الذي نظمه المجلس الإسلامي الأعلى، وشارك فيه نخبة من الباحثين الجزائريين والأجانب.
أما على مستوى الجامعة، فقد كانت أول رسالة دكتوراه حوله في جامعة السوربون سنة 1980 بإشراف الباحث علي الشيخ عمار، الذي درس حياته وإسهاماته في مشكلات الحضارة. ومنذ ذلك التاريخ، لم تتوقف الجامعات العربية والغربية عن تناول أفكاره، خاصة في أقسام الفلسفة وعلم الاجتماع، حيث وجدت نظريته في الحضارة وفلسفته في التغيير الاجتماعي صدى واسعا.
وعلى الرغم من تأخر الجامعات الجزائرية نسبيًا في إدراج فكره ضمن الدراسات العليا لأسباب سياسية وإيديولوجية، فإن ذلك لم يمنع حضوره الفاعل في الحياة الثقافية والفكرية الجزائرية، ولا استمرار صدور البحوث والدراسات عنه في الدوريات المحكمة.
وبلغة الأرقام، يمكن تلخيص ما ورد في الكتاب كما يلي:
تراث مالك بن نبي (كتبه ومقالاته): 26 كتابًا بالعربية، 30 بالفرنسية، 24 مقالًا بالعربية.
كتب حوله: 45 بالعربية، 5 بالفرنسية.
أطروحات جامعية: 42 بالعربية، 5 بالفرنسية والإنجليزية.
فصول وأبحاث ضمن كتب جماعية: 17 بالعربية، 4 بالفرنسية والإنجليزية.
بحوث ودراسات أكاديمية: 156 بالعربية، 10 بالفرنسية.
مقالات صحفية وفكرية: 119 بالعربية، 5 بالفرنسية.
محاضرات: 105 بالعربية، 21 بالفرنسية والإنجليزية.
حوارات وشهادات: 33 بالعربية.
برامج تلفزيونية وإذاعية: 10 بالعربية.
المجموع العام: 655 عنوانًا.
نقص الدراسات المقارنة والنقدية
رغم هذا الاهتمام الكبير، يلاحظ حسب الدكتور مولود عويمر أن الباحثين ركزوا غالبًا على تحليل القضايا الفكرية الكبرى، وعرض مواقفه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بينما ظلّت مقارنته مع غيره من أعلام الفكر ضعيفة: من بين 178 دراسة رصدها الباحثون، لم تتجاوز الدراسات المقارنة 14 دراسة فقط.
يشيع أحيانًا وصف الدراسات حول مالك بن نبي بأنها “تبجيلية” أو “أيديولوجية”، وكأنّ الساحة العلمية لم تنتج أي عمل رصين حول المفكر. ورغم أنّ هذا الحكم قد يجد ما يدعمه في بعض الأعمال العامة التي حملت طابعًا احتفاليا، إلا أنّه لا يمكن تعميمه على مجمل الدراسات الأكاديمية. فالقراءة المتأنية لمسار البحث تظهر أن الغالبية العظمى من الدراسات الأكاديمية لم تكن أيديولوجية، بل تمهيدية تأسيسية، تركز على شرح المفاهيم، وتبويب الأفكار، واستجلاء البنية الأساسية لفكر بن نبي. وهذا التوجّه طبيعي في أي حقل معرفي في مرحلته الأولى، إذ لا يمكن إنتاج النقد والتحليل المقارن قبل بناء قاعدة صلبة للفهم.
وعليه، فإن وصف هذه المرحلة بأنها “تبجيلية” يفتقر إلى الدقة، لأنها مثلّت خطوة تأسيسية ضرورية لحفظ التراث البنّابي، وتمهيد الطريق أمام مرحلة لاحقة من البحث العلمي المتقدّم.
ومع ذلك، يبقى صحيحًا أن الدراسات الأكاديمية حتى اليوم لم تتطور بعد بما يكفي نحو الدراسات النقدية والمقارنة التي تضع فكر بن نبي في سياق الفكر الإنساني العام، وتفحص أدواته ومفاهيمه بصرامة علمية. وهنا يظهر نقص واضح في الدراسات الأكاديمية النقدية، رغم أن الدراسات الموجودة جدية وذات مستوى علمي رصين، وقد وفرت قاعدة صلبة لفهم وترسيخ التراث البنّابي.



