نشاطات الكرسي

هل كانت الدراسات حول مالك بن نبي أيديولوجية؟ نحو قراءة موضوعية لمسار البحث البنّابي

يشيع في بعض الكتابات المعاصرة وصفُ الدراسات التي تناولت فكر مالك بن نبي بأنها دراسات “تبجيلية” أو “أيديولوجية”، وكأنّ الساحة العلمية لم تنتج حول المفكّر أي اشتغال رصين. ورغم أنّ هذا الحكم يجد ما يدعمه في بعض الأعمال غير الأكاديمية التي حملت فعلًا طابعًا احتفائيًا أو توظيفيًا، فإنّ تعميمه على مجمل الدراسات البنّابية يفتقر إلى الدقّة والإنصاف.

فالقراءة الهادئة لمسار هذه الدراسات تبيّن بوضوح أنّ الغالب عليها لم يكن الطابع الأيديولوجي، بل الطابع الأكاديمي التمهيدي الذي يركّز على شرح المفاهيم، وتبويب الأفكار، واستجلاء البنية الأساسية لفكر بن نبي. وهذا التوجّه طبيعي في المراحل الأولى لأي حقل معرفي؛ إذ لا يمكن إنتاج النقد والمقارنة والتحليل الإبستيمولوجي قبل بناء قاعدة صلبة للفهم.

ولهذا، فإنّ وصف هذه المرحلة بأنها “تبجيلية” لا يعكس حقيقة طبيعتها ولا دورها التاريخي، لأنها مثّلت خطوة تأسيسية ضرورية لحفظ التراث البنّابي، وتوضيح مفاهيمه، وتمهيد الأرض لمرحلة لاحقة من البحث العلمي المتقدِّم.

ومع ذلك، يبقى صحيحا أنّ هذا الجهد التمهيدي — على أهميته — لم يتطور بعدُ بما يكفي نحو الدراسات النقدية والمقارنة التي تضع فكر بن نبي في سياق الفكر الإنساني وتفحص أدواته ومفاهيمه بصرامة علمية.

وعليه، فإنّ التقييم المنهجي المتوازن يقود إلى أنّ معظم الدراسات الأكاديمية حول مالك بن نبي ليست تبجيلية ولا مؤدلجة، بل تمهيدية تأسيسية، بينما الأعمال التي يمكن وصفها بالتبجيلية هي في الأغلب كتابات عامة لا تمثل الاتجاه الجامعي الحقيقي.

وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى مرحلة جديدة يقودها البحث العلمي الجاد، وهي المرحلة التي يمكن لمبادرات مثل الكرسي العلمي مالك بن نبي أن تنهض بها، بالانتقال من الشرح والتقريب إلى التحليل النقدي المقارن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى